
خريطة الهلال الامني من انتاج و تصميم: شارمين نرواني، ايلي عديمي وعلي عماشا اضغط على الصورة للنسخة المكبرة
شارمين نرواني –
يجمع العديد من المراقبين بأن الشرق الأوسط يشهد مرة أخرى تحولات جذرية ستقود حتما إلى تغييركبيرفي ديناميكية المنطقة. فالدورالذي لعبته روسيا في صفقة الترسانة الكيميائية السورية, والتقارب الأميركي الإيراني, وانحسار دور السعودية الاستراتيجي, والإنسحاب الأميركي المتوقع من أفغانستان من شأنها كلها المساهمة في هذه التغييرات.
يحتّم هذا الأمر طرح بضع تساؤلات: كيف سيكون التوجّه الجديد؟ من أين سيأتي؟ من سيقوده؟ وكيف يمكن تعريفه وتحديده؟
من الواضح بأن التوجه الجديد في الشرق الأوسط ينصبّ على فكرة التصدي “للتهديد الأمني” الناجم عن تدفّق الجهاديين الإسلاميين المذهبيين والمتطرفين بأعداد هائلة لا مثيل لها حتى في العراق وأفغانستان. فالقلق المشترك من هذه الظاهرة شكّل دفعة لموجة من الصفقات الدبلوماسية الدولية والتعاون غير المعهود وغير المتوقع بين مجموعة من الدول كانت تناصب العداء لبعضها البعض الى الأمس القريب.
سيكون لهذا التبدّل نكهة خاصة بمرحلة ما بعد الإمبريالية إذ نجده وللمرة الأولى من عقود من الزمن محليّ المنشأ والأهداف وستقوده دول وجماعات وطوائف وأحزاب شرق أوسطية تعاني من تهديدات التطرف لأننا لا نشاهد اليوم أي طرف خارجي يسرع لإنقاذ المنطقة.
وفيما تتدفق المجموعات السلفية عبر حدود متعددة من الشرق الأوسط إلى الخليج وشمالي أفريقيا، تتفكك بعض دول المنطقة وتتهاوى حيث تتعرض سيادتها وسلامة أراضيها للتهديد، وتشكو مؤسساتها السياسية والإقتصادية من الركود والفوضى، كما تجد نفسها عسكريا عاجزةً عن الدفاع عن ذاتها إزاء هجمات حرب عصابات تعجز جيوشها عن مواجهتها.
وسط هذه الفوضى العارمة، قررت بعض دول المنطقة أن تصطفّ على رأس جبهة مواجهة وتمسك زمام مصيرها بيدها. ووجدت هذه الدول بأن الحلّ يكمن في محاربة ظاهرة التشدد هذه مباشرةً واقتلاعها من جذورها. ولقد باشرت هذه الدول بتبادل المعلومات الإستخبارية وبالتعاون العسكري الميداني وبالعمل على تأمين دعم المجتمع الدولي لهذا الهدف.
وفي حين تضعف بعض الدول وتتداعى، نشهد ولادة تحالف أمني أو بعبارة أخرى “هلال أمني” يمتدّ من الشرق الأوسط إلى الخليج ويشمل كلا من لبنان وسوريا والعراق وصولاً إلى إيران.
وبحسب ما تذكره مصادر مطلعة في الشرق الأوسط في مقابلات عدّة أجريت في الأشهر القليلة الماضية، فإن ” للهلال الأمني” أهدافا متعددة الجوانب. الهدف الأول هو حماية سيادة الدول المعنية وسيطرتها على أراضيها كافّة، والهدف الثاني هو تشكيل حزام تعاون عسكري وأمني قوي يقف سدّا بوجه تهديدات المتطرفين الحالية والمحتملة، أما الهدف الثالث فهو خلق أجواء تفاهم عالمية من شأنها دعم هذا التحالف وتعزيز فرص نجاحه على الأصعدة المختلفة.
لقد أطلق العاهل الأردني عبدالله الثاني في الماضي تسمية “الهلال الشيعي” على تلك الدول، مشيرا بأسلوب مذهبي الى نمو نفوذ الحكومات والأحزاب الشيعية فيها. ولكن التحالف الحالي ليس مذهبيّ المنشأ والأهداف، ولعبدالله وحلفائه دور مباشر في تشكيل الحلف.
فالعائلات الملكية العربية المدعومة من الغرب هي التي قامت بالأساس في شن “ثورة مضادة” لاحتواء الثورات العربية ولإعادة توجيهها ضدّ الدول المنافسة أو المعادية لها عبر سوريا. ولهذا قامت كل من قطر والمملكة العربية السعودية والبحرين والأردن والكويت والإمارات العربية المتحدة بالعمل مع حلفائها الغربيين لمدّ “الثوار” بالأموال والأسلحة والتدريب والعتاد العسكري من أجل إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، وذلك بهدف إضعاف إيران وعزل “حزب الله” والتخلّص نهائيا من التهديد الشيعي.
إلا أن الأنظمة الملكية العربية المدعومة من الغرب ارتكبت خطأ فادحا في تسرعها لتحقيق الإنتصار على أعدائها، فقد سمحت هذه الأنظمة وسهلت دخول الجهاديين للقتال في سوريا، متجاهلة أفكارهم الإيديولوجية الطائفية والمتطرفة. وقد أخطأت هذه الدّول عندما راهنت أنها ستتمكن من السيطرة على المتشددين بمجرد إنتهاء الحرب.
وبحسب قول إد حسين، أحد كبار “الزملاء” الباحثين في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي في أغسطس/آب 2012، فإن ”الحسابات السياسية لدى صانعي القرار الأمريكيين تهدف إلى إسقاط الأسد وإضعاف دور إيران في المنطقة أولاً، ومن ثم التعامل مع القاعدة لاحقاً.”
في نهاية المطاف، لم يسقط الأسد، ولم تتراجع إيران عن مواقفها، وازداد “حزب الله” قوةً، وها هي روسيّا والصين تلعبان دورهما في الحلبة. فإن تفاقم الأزمة السورية قد تحوّل إلى معركة جيوسياسية إقليمية وأخذت ترسانات الأسلحة الثقيلة تتنقل عبر حدود مستباحةٍ وسط التصعيد الخطابي الطائفي متيحتة فرصة نادرةً للمقاتلين السلفيين، ومن بينهم مقاتلي “القاعدة”، لكي يضاعفوا من تأثيرهم ويتنقلوا بلا حسيب أو رقيب من لبنان الى العراق، مما خلق لهم طرقا آمنة من الشرق الأوسط إلى الخليج.
وقد وصف مايكل هيدن، المدير السابق لوكالة الإستخبارات الأميركية، الوضع بقوله: “أهمّ ما يحدث في سوريا هو قيام الأصوليين السنّة بالإستيلاء على جزء مهم من جغرافيا الشرق الأوسط مما سيؤدي إلى إنفجار الوضع في سوريا والمشرق كما نعرفه اليوم.”
لقد تحول هذا النوع الإيديولوجي من العنف السياسي إلى مسلسل من الإعدامات بدون إجراءات قانونية وتفجيرات إنتحارية وقطع الرؤوس وعنف طائفي ومذهبي يهدد المنطقة برمّتها وينذر بقيام إمارات أصولية تحت حكم الشريعة. هذا هدف من الأهداف التي تصبو إليها السعودية، أما بعض الحلفاء الغربيين على الأخصّ فقد باتوا قلقين من أن المدّ الجهادي لن يتوقف عند أي حدود معينة.
لكنّ الجهات التي قررت اتخاذ خطوات عملية بغية تجميد الدعم العسكري والمادي للمتطرفين لا تزال قليلة.
من هنا صار لزاماً على الدول المعنية التصدّي للأزمة المحدقة. والمحور الغربي/العربي الذي أخذ على عاتقه وضع حدّ للنفوذ الشيعي من بوابة تشجيع تيار سنّي معارض وتسليحه، يرى نفسه اليوم مضطراً لإيجاد توافق يشمل كلا من إيران ولبنان وسوريا والعراق من منطلق مجابهة التهديد الأمني.
إنه بمثابة إنقلاب السحر على الساحر.
حلف غير متجانس:
هذا الحلف الجديد غير متجانس، ففي لبنان وسوريا والعراق نسبة عالية من الأديان والطوائف المتنوعة وبالأخص الطائفة السنية، ولقد لعبت الحملات الإعلامية الغربية والخليجية دوراً كبيراً في زرع بذور التفرقة و الشكّ بينها وبين شيعة إيران وحلفائهم. وبالرغم من أن السنّة المعتدلين ليسوا أقل عرضةً لهجمات المتطرفين الجهاديين كما المسيحيين والأكراد والشيعة، إلا أن ترددهم العائد الى رؤية خصومهم السياسيين في موقع المنتصر عسكرياً، قد وفّر الغطاء المطلوب للجهاديين الذين مكنّهم من التغلغل والتمركز. وبالتالي سيكون قرار السنّة المعتدلين صعباً، فليس لديهم خيارات سوى نصرة أعدائهم أو التسليم بحكم الأصوليين.
ولكن عندما أعلن “حزب الله” مشاركته في معركة القصير في أواسط عام 2013 إلى جانب الجيش السوري، أصبح من الواضح أن الأطراف المعنية بدعم التحالف الأمني قد أعلنت أنها لن تتهاون بعد اليوم.
كان لا بدّ من أن يرى ” الهلال الأمني” النور سواء رضي المتخاذلون أم لم يرضوا، ولكن بحكم واقع أهمية هذا الهلال الأمنية، فقد أتى دعمه من مصدر غير متوقع: الولايات المتحدة الأميركية.
لقد انقلبت السياسة الأميركية في الأشهر الأخيرة فجأةً من دعم الثوار السنّة في سوريا الى التقرب من إيران. هذا الإنقلاب هو نتيجة فلتان المتطرفين الذي وصل إلى نقطة اللاعودة ، ولم بعد بإمكان أميركا لوحدها ولا حلف “الناتو” السيطرة على الوضع. وبعد خوض حربين فاشلتين في العقد المنصرم تحت غطاء محاربة الإرهاب، كان التطرف الرابح الأكبر، والولايات المتحدة الأميركية تدرك اليوم أنها بحاجة لمساعدة الأطراف المعنية لكي تلجم شرّ الأصوليين، وهي تدرك أيضاً أن تلك الأطراف هي إيران وروسيا والصين والهند وسوريا والعراق، كما أدركت أميركا أيضا أن الهدف هنا ليس محصورا بمجابهة الإرهاب، بل أيضاً بقطع أوصاله في مصادرها الأصلية أي في السعوديّة وباكستان واليمن وليبيا وأفغانستان وغيرها.
هنا تجد الولايات المتحدة نفسها في موقف حرج، إذ ترى نفسها مرغمة على قبول حلول أمنية وعسكرية من أعدائها التقليديين أمثال إيران وسوريا و”حزب الله”، ما يعني انحرافا عن مسار يتجاوز عمره الثلاثين عاما مع ما يرافق ذلك من احتمال خسارة لحلفاء تقليديين. وهذا يعني أيضا أنه يترتب على واشنطن أن تكون مستعدة للإعتراف بأن نجاح هذا الإتجاه الجديد سيؤدي إلى تزايد النفوذ الإيراني واندحار السعودية، حليفها الأكبر وما سيتبع ذلك من عواقب وتبعات في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
القرار الأميركي الناتج عن تلك التناقضات الشرق أوسطية كان لا ريب مؤلماً، ولكن الأفعال على الأرض قد اثبتت أن واشنطن جادة في هذا الأمر، فقد فتحت باب الحوار مع إيران، ثم عقدت معها الإتفاقية حول برنامجها النووي في جنيف في غضون أيام. إضافةً إن ذلك فقد اجتمع الرئيس الأميركي باراك أوباما مع نظيره العراقي نوري المالكي في شهر نوفمبر الماضي وبدأ الطرفان التعاون الإستخباراتي لأول مرّة منذ الإنسحاب الأميركي من العراق. وكانت أول خطوة في هذا الصدد بحسب تقرير نشرته “الزمان” تتعلق بتسريب معلومات إلى العراقيين عن تحركات المسلحين في الأنبار. ولقد تدهورت العلاقات الأميركية السعودية وصولاً لدرجة تساءل فيها بعض المحللين عما إذا كان بين الولايات المتحدة الأميركية والسعودية أية قواسم مشتركة. في الوقت نفسه، بدأ السفراء الأوروبيون بالعودة إلى دمشق وضباط الإستخبارات يبحثون مع الضباط السوريين في وسائل تبادل المعلومات بالنسبة لتحركات الجهاديين. أما جبروت إسرائيل فقد تهمش وهي أبعدت من المشاركة باتخاذ القرارات الكبرى. أما تركيا العضو في حلف “الناتو”، فهاهي اليوم تسعى جاهدةً لتصحيح مسار علاقتها مع إيران والعراق وهكذا دواليك.
لو عدنا بالروزنامة ستة أشهر إلى الوراء، لكان التكهن بحصول تلك التغييرات المفاجئة شبه المستحيل. ولكنها لم تكن لتحدث وبهذه العجلة لو لم تستفق الدول المعنية على الخطر المحدق وترى ضرورة في تعجيل التعاون لمجابهته.
حتى لو كان ذلك يعني قلب سياسات وتوجهات سابقة رأساً على عقب.
وكما وصف مسؤول كبير في “حزب الله” لي شخصياً، فإن “أميركا اليوم تكثف جهودها للعمل مع مناوئيها أكثر ممّا تسعى للعمل مع حلفائها”. وثمّة سبب وجيه وراء ذلك، يكمن في أنّ حلفاء واشنطن هم أنفسهم مسببي عدم الإستقرار، وقد حان يوم لجمهم وإرغامهم على القبول بالأمر الواقع.
بعض الأطراف المعنية في الصراع تهرول للإنخراط في “الهلال الأمني”، فالجيش اللبناني على سبيل المثال وقف مكتوف اليدين لمدة ثلاث سنوات، وكان مقيّد التحركات مسايرةً للتيار الموالي للسعودية، ولكنه يبدو اليوم وكأنه جاد في مواجهة المقاتلين السلفيين في المدن ومخيمات اللاجئين التي يتحصنون فيها حيث وصل عددهم الى أرقام مقلقة. هذا التوجه الجديد يشكل إنعطافة كبرى إذا ما قورن بوقفة الحياد التي اتخذها الجيش اللبناني سابقاً بانتظار نتيجة ما سيحدث على الساحة السورية.
أخذت الأمور تتحرك بشكل متسارع على الأصعدة كافّة، وتجمّع 50 ألف مقاتل من الجماعات المسلحة المتطرفة في “جبهة إسلامية” موحدة أسرع في تشكيل قضية موحدة تجمع بين الأطراف الأخرى. الولايات المتحدة وبريطانيا أوقفا دعمهما للمقاتلين، ولو جاء هذا القرار متأخراً، ولكنه يعكس الخوف من نموّ نفوذ الأصوليين. وفي الوقت عينه، قامت إيران بمبادرة تقرّب من دول الخليج، وقد نجحت فعلاً بخلق شرخ في “مجلس التعاون الخليجي” عندما رفضت سلطنة عمان التصويت لصالح المبادرة السعودية والتي تبغي الى وحدة دول مجلس التعاون.
التجاذب صوب أولوية الأمن:
إن دحر الجهاديين من سوريا و أبعد منها يعني الوصول لثلاثة أهداف كل منها يتوجب تعاون “دول الهلال”:
الهدف الأول هو اجتثاث المتطرفين من المراكز التي يتحصنون فيها داخل “الهلال الأمني” في لبنان وسوريا والعراق وإيران. هذا يوجب حتماً الحسم العسكري أو إستسلام المقاتلين أو ربما قراراً من الدول الداعمة لهم بالتنحي عن هذا الدور.
الهدف الثاني، هو التوصل إلى عقوبات مالية دولية من شأنها إرهاق الشبكات الجهادية السلفية عن طريق استهداف مصادر تمويلها، وما يمنع تحقيق تلك العقوبات اليوم هو العلاقات الحالية القائمة بين الدول الغربية من جهة ودول وأفراد يمولون الإرهاب من جهة أخرى.
وكما أورد باتريك كوكبرن في مقاله في صحيفة ” الإندبندنت” البريطانية في شهر ديسمبر المنصرم تحت عنوان: “جريمة جماعية في الشرق الأوسط بتمويل من أصدقائنا السعوديين”، فإن “الكل يعلم مصدر التمويل للقاعدة، ولكن طالما أن للقتل صبغة طائفية فالغرب لن يحرك ساكنا”.
أما الهدف الثالث، والأخير فيتلخص بإقناع الدول المجاورة، وما أبعد منها بإغلاق حدودها وبسنّ قوانين هجرة صارمة من شأنها أن تعيق تحرك المتطرفين. ومنذ اللحظة، فنحن نرى أن الأردن وتركيا قد باشرا باتخاذ بعض الإجراءات التي تهدف لذلك. أما الحدود العراقية السورية فلا تزال مستباحة، ومن هنا وجوب التعاون المخابراتي بين أميركا والعراق.
إن تغير الإتجاهات في بعض الدول خارج “الهلال الأمني” قد بدا واضحاً، فالكثير منها باتت تفهم تماماً دور دول الهلال الأربعة في قصم ظهر الإرهاب. الأنظار متوجهة اليوم صوب سوريا ووضعها المحفوف بالمخاطر وتأثيره المستقبلي على مصر والأردن وتركيا تحديدا.
من المرجّح أن مصر والأردن وتركيا سيؤيدون الهلال الأمني ولو بتحفظ، تفرضه عليهم الخلافات السياسية.
فالأردن على سبيل المثال قد استضاف العديد من المنظمات والقوات الخاصة ومجموعات استخباراتية تعاونت جميعها لإسقاط الحكومة السورية. ولكن الدعم المالي السعودي للأردن لا يوازي الخطر المحدق به، فثمّة الآلاف من المقاتلين الجهاديين في داخل الأردن وفي خارجه، وهم في حالة تأهب دائم وفي إنتظار أوامر ترسلهم إلى محاور قتال معينة. ومن المرجح أن عدد الأردنيين المنضوين في صفوف هؤلاء يبلغ الألف، وبالمقارنة فإن الأوروبيين يتحسبون من عودة بضع مقاتلين من سوريا إلى ديارهم.
وبحسب مصدر لبناني مطّلع، فمنذ ستة أشهر بدأ كلّ من الأردن وسوريا والعراق بإجراء مباحثات بعيداً من الأضواء حول الأوضاع الاقتصادية والأمنية. وفي بداية الأمر، حاول الأردنيّون تجنب موضوع الأمن لأن همّهم ليس محصوراً بالأمن فحسب، بل هم يهجسون من الإنهيار الإقتصادي ولكنهم رضخوا لاحقاً.
أكثر ما يخشاه الأردنيون هو تهميشهم في خضمّ هذا التغير السريع، فالأردنيون لا يملكون عصا سحرية وهم يدركون تماماً أن الأردن يقع بين سندان العراق ومطرقة سوريا. من هذا المنطلق فهم يفهمون تماماً أين سيكون توجههم الجديد.
باشرت السلطات الأردنية باعتقال بعض قادة المقاتلين السلفيين الذين كانوا في طريقهم إلى سوريا، كما قامت الحكومة الأردنية بإغلاق الحدود مع سوريا وفرضت إجراءات أمنيّة مشددة في مخيّم الزعتري. ومن المرجح أن يقوم الأردن بإجراءات أكثر حزما عندما تزداد العلاقات مع سوريا تحسناً.
من جهتهم، إتخذ الأتراك أيضا إجراءات لضبط حدودهم مع سوريا. وفي تركيا اليوم ينشأ صراع داخلي في صفوف حزب “العدالة الإسلامي”، فمنذ ثلاث سنوات و الحزب مسيّر بنزعات رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، وتركيا اليوم تدفع ثمن عناده، فقد لجأ عدد من المقاتلين إلى تركيا مجتازين الحدود السورية، كما أن العنف السياسي قد انتقل أيضاً عبر الحدود نفسها، وهكذا فتركيا اليوم ترى أن شعبيتها قد تدهورت في العالم العربي وخصوصاً بعد الإجراءات التعسفية التي قام بها أردوغان لقمع المتظاهرين مما جعله يبدو كمنافق. إضافةً إلى ذلك، فإن الكلام عن حكم ذاتي للأكراد في سوريا يزيد شهية طموحاتهم في تركيا، وهذا ما يقلق الأتراك.
لا بدّ أن يفهم الأتراك حتمية الواقع الأمني، ولكن الحافز الأسرع سيكون إقتصاديا، فسوريا ستحتاج الكثير من أجل إعادة اعمارها ولدى العراق النفط والمال المطلوبين لذلك عند استتباب الأمن. أضف إلى ذلك، فإن أنبوب الغاز الإيراني قد يمر عبر العراق إلى شواطئ المتوسط متفادياً تركيا إن شاءت أن تبقى بعيدة.
ومن المرجح أيضاً أن تنضوي مصر تحت لواء “الهلال الأمني” لأنها تعاني من المشاكل نفسها. علماً أن مصر مدينة للسعودية ودول الخليج، إلا أنها ستصاب بالإفلاس إذا وصل المسلحون الجهاديون إلى السلطة. وقد تصاعدت حملات التعدي على مراكز الأمن في سيناء أخيرا بعد عودة الجيش إلى الحكم. ويتدفق المقاتلون من غير البدو اليوم إلى سيناء مدججين بأسلحة حديثة ومتطورة حصلوا عليها من ليبيا ومن السودان. وخلال حكم الإخوان القصير لمصر، دعمت الحكومة آنذاك المقاتلين في سوريا، وذهب الآلاف من المصريين الجهاديين للقتال هناك. فمن المرجح أن قيام دولة تحت سيطرة المؤسسة العسكرية العلمانية في مصر سيؤدي إلى نهج مماثل للنهج السوري وسيضيق الخناق على المتطرفين.
مهما كانت التوجهات السياسية لأي كان، ما لا شك فيه أن التراخي تجاه المقاتلين السلفيين في هذه المرحلة الدقيقة سيؤدي إلى تفكك الدول في الشرق الأوسط.
أخطر المحاور حالياً هي سوريا ومن بعد ذلك العراق بسبب وضعهما المحوري الجغرافي والذي يهدد الدول الصغيرة المجاورة بالإنزلاق الى متاهات الفوضى.
الحرب ضد التطرف ستبتدئ في داخل “الهلال الأمني” وستحصل على دعم فوري من دول “البريكس” ودول “عدم الإنحياز”. قد يختار الغرب أن يلعب دوراً فعالاً من وراء الكواليس بدلاً من الإستمرار في زعزعة إستقرار حلفائه المحليين ولو كان ذلك لفترة قصيرة فحسب.
ولكن حين يحمى وطيس المعركة، سترغم الدول الشرق أوسطية وغيرها على اتخاذ موقف واضح في تقرير المصير. لا بد من أن تستغل بعض الدول المناخات المناسبة وقد يرى بعضها الآخر فائدة بالمماطلة، ولكن القلائل سيجرؤون على دعم المتطرفين. هذه السيناريوهات قد تعيد إلى قاموس اللغة المتداولة في المشرق كلمات “أبطال” و-”خونة” على غرار منتجات “هوليوود”.
الحرب ضدّ الإرهاب ستكون إسما على مسمّى، ولكنها ستنطلق هذه المرة من الشرق الأوسط وستحظى بدعم عالمي وستغيّر وجه التاريخ للأجيال القادمة.
يمكنكم متابعة شارمين نرواني على تويتر | snarwani@
نسخة محدثة من مقال نشر سابقاً في الموقع الانكليزي لجريدة الأخبار