Home

al-qaida2_1

شارمين نرواني

بعد مرور ثلاث سنوات على ولادة ما يسمى بـ”الربيع العربي” لا يزال البعض ينادون بالإصلاح الديموقراطي متجاهلين التبعات الخطرة التي تهدد حدود الدول المعنية وأمنها وسيادتها.

فقد أضحت حدود الدول العربية من المحيط إلى الخليج، مروراً بالشرق الأوسط، مستباحة من قبل المسلحين والمهربين والميليشيات والقوات الخاصة الأجنبية واللصوص وغيرهم الذين يتنقلون من بلد الى بلد بلا رقيب.

وتشكل هذه الإنتهاكات أكبر عائق في وجه أي إصلاح ديمقراطي منشود سواء في اليمن أو سوريا أو لبنان أو العراق أو مصر أو تونس أو الأردن وسواها من الدول.

المسألة في منتهى البساطة أن بسط السيادة شرط أساسي لوجود أي دولة، والدولة هي بدورها شرط أساسي لوجود المؤسسات التي تشكّل بدورها حجر الأساس للتمثيل الحكومي.

إلا أن “العباقرة” الغربيين ظنوا أنه بمقدورهم القيام بتغيير الأنظمة والوصول إلى الإصلاح الديموقراطي عن طريق غزو عسكري للعراق وأفغانستان ومن ثم ليبيا وسوريا، متجاهلين تماماً الأسس الثابتة التي تقوم عليها الدول والأمم أي السيادة وبسط السلطة. لقد نسوا أو تناسوا أنه عندما يستبيح احدهم حدود دولة ما بغية تقويض بنية حكومتها، فإنه بعمله هذا ينتهك ذاك الوطن بأكمله وليس حكومته فحسب.

وما يثير السخرية اننا أحياناً نطلق على تلك الأمم المنتهكة أسماءً كإسم “الدول الفاشلة” وكأننا حقاً نصدق أن حكوماتها لا تزال تمتلك القدرة على بسط سلطة شرعية على جيوشها ومجالسها التشريعية.

إنني حقاً أهزأ من السياسيين اللبنانيين الذين يحاولون تشكيل، أو بالأحرى ترقيع، حكومة جديدة بينما يسرح المسلحون ويمرحون عبر الحدود على بعد بضع الكيلومترات من العاصمة. أسخر أيضا من ممثلي المعارضة السورية وهم لا يمونون على شبر من الأرض. أقشعر عندما يكلمنا “الخبراء” عن الإصلاحات الديمقراطية في تونس وليبيا والعراق، والكل يعلم أنهم بالفعل لا يسيطرون على السلطات المركزية وغير قادرين على حماية حدودهم.

ما أودّ قوله لهم أنه ليس لهم دول ولا حكومات.

في الشطر الذكي والواعي من الشارع العربي، نرى ملامح إدراك لدور الجيوش النظامية. فعندما تتداعى الحكومات الهشة، تتداعى معها كل المؤسسات ويصبح الجيش الأمل الوحيد الباقي لصيانة السيادة.

هذا المفهوم بات معروفاً في مصر وسوريا لأنه لديهما جيوشاً قويةً، أما العراق واليمن وليبيا ولبنان، فجيوشها لا تملك القوة اللازمة لصيانة السيادة ولا الثقة الشعبية لتوفر لها الحضانة اللازمة. وعندما أطاح اللواء عبد الفتاح السيسي بحكومة منتخبة، كان يدرك تماما أن الفوضى التي دبّت في سيناء ودعوات الجهاد في سوريا وليبيا وسواها من شأنها أن تهدد سيادة الوطن. وعندما طلب الرئيس السوري بشار الأسد الدعم للحؤول دون المزيد من انتشار المسلحين في سوريا، كان طلبه يعني إتخاذ اجراءات من قبل إيران وروسيا و “حزب الله” من شأنها ضبط الحدود ومنع التسلّل من اراضيها.

البعض ينعتون هؤلاء بـ”الدكتاتوريين” أو بـ”الطغاة” ولكنهم لربما كانوا آخر “منطقة “عازلة في المحافظة على السيادة و الدفاع عن تراب الوطن.

الحدود المنتهكة تجرّد الحكومات من سلطتها المركزية مما يجرّها إلى فوضى عارمة تؤدي إلى فقدان السيادة الوطنية وهو أقوى عائق أمام أي إصلاح ديموقراطي في الشرق الأوسط.

تهديد الإستقرار العالمي


عندما نتكلم عن التدخلات العسكرية بشكل عام، وما حصل في سوريا بشكل خاص، نتذكر كلاما لوزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر في العام المنصرم يقول فيه “في غياب الإستراتيجيات المفصلية الواضحة، فإن النظام العالمي الذي يسمح باستباحة حدود الدول وخلط الحروب الأهلية بالأزمات الدولية لا يتمكن مطلقا من التنفس”.

إن قول كيسنجر يعني عمليا تساؤله عما إذا كانت الحملات العسكرية الأميركية المتتالية في العالم تحت غطاء الإنسانية والديموقراطية ليست إلا نقضاً لإتفاقية النظام العالمي الذي وقعته الدول الأوروبية في القرن السابع عشر والمعروف بإسم معاهدة وستفاليا.

هدفت معاهدة وستفاليا أساسا الى منع الدول الأوروبية المتحاربة من فرض مفاهيمها الدينية على سواها. لقد أدت تلك المعاهدة إلى نشوء الدولة القومية والتي يعتبرها كيسنجر “حجر أساس للنظام الدولي”.

وما الدولة القومية بدورها إلا مستندا أساسيا للسيادة واستقلال الأوطان.

ولمحة سريعة للشرق الأوسط تظهر حالة انعدام الإستقرار التي تعاني منها دوله القومية.

السيادة، والتي هي ركيزة السلطة في رقعةٍ محددة من الأرض، باتت اليوم عرضةً للإنتهاك من قبل الأعداء الدوليين والمحليين وبتسارع ملحوظ. وعندما يصرح الغربيون أنه “على الأسد أن يرحل” أو “يجب أن يتنازل القذافي” أو أن “حكومة أحمدي نجاد غير شرعية”، فإنهم عملياً يسقطون سيادات تلك الدول، لأن تغيير الحكومات هو أمر محلي تقرره شعوبهم في صناديق الإقتراع أو عبر تظاهرات شعبية تقوم بها الأكثرية الرافضة.

المحافظة على سلامة الأوطان كانت تعتبر ركيزة مبادئ العلاقات الدولية والتي تقضي بألا تفرض دول على سواها أي تعديل أو تغيير لحدودها الجغرافية عن طريق القوة أو الإكراه، ولكن في يومنا هذا وبحجة “مسؤولية الحماية” تتعالى صرخات “التدخل الإنساني” وتسمح لنفسها بانتهاك نظام الدولة القومية.

الوضع الراهن يتيح لمن يملك القدرة أن يشوّه صورة خصمه وأن يجتاح تراب وطنه تحت ستار “مسؤولية الحماية” دون أي قلق لما قد ينتج عن ذلك من تقويض للقانون الدولي.

في كل مرة نسمح بذلك نقوض حجراً في بنية الأسس التحتية التي تدعم النظام العالمي، ومن هنا فلن يكن بمقدورنا أن نستبعد إن قررت ولاية ماساشوستس الأميركية في المستقبل القريب أنه لم يعد لديها أية قواسم مشتركة مع ولاية تكساس أو أن تقرر ويلز الإنفصال عن المملكة المتحدة.

في تقرير نشره مجلس الإستخبارات القومي (الأميركي) في العام المنصرم، ورد تنبيه واضح مفاده أن هذه السيناريوهات قد توصل العالم إلى حالة “ألاـدولة” حيث تتخلى فيها الحكومات عن العديد من مسؤولياتها لمقاطعات ذات حكم ذاتي. الواقع فإنّ هذا ما بدأ يحصل اليوم في الشرق الأوسط، و إن فشلنا في إنقاذ النظام العالمي الحالي، فسيحل مكانه نظام عالمي جديد.

جهاديو التخريب

بينما تشكل الغزوات العسكرية ورقة ضمان اكيدة لهدم الديموقراطيات، فإن الحملات الإعلامية المغرضة التي تهدف لإستقطاب الرأي العام بهدف إسقاط حكومات وما شابه من أعمال أخرى كالتخريب والاغتيالات لا تقل خطورة.

فلنأخذ إيران على سبيل المثال، من الناحية النظرية لدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية كل المقومات التي تخولها لأن تكون لها ديموقراطية مزدهرة من منطلق تمتعها بالقدرة على حماية حدودها وبحكومة مركزية قوية ومنتخبة من قبل الشعب. إلا أنه ليس بإمكان إيران أن تتراخى لأنها تتعرض يوميا لحملات غربية إعلامية وعبر الإنترنت مجبولة بالحيل والتلفيق بهدف إضعاف السلطة المركزية وتقويضه مؤسساتها العسكرية.

جلبت الإنتفاضات العربية مجموعةً جديدةً من التحديات، فالانهيار المفاجئ للسلطات الرسمية القديمة العهد خلق مناخا جذابا لمصالح متقاتلة ومتنافسة يطمح كلّ منها لتوطيد قواعد قوة لنفسه. لهذه الغاية تسرّبت الأسلحة على انواعها عبر حدود البلدان والدول وقام الجهاديون برحلاتهم الايدولوجية خارقين أمن الأوطان التي يطأوا أراضيها.

من هذا المنطلق، وجد السلفيون المتطرفون الذين يرفضون نظام الدولة القومية أنفسهم شركاء لأصحاب قضايا محقة وراحوا يخوضون المعارك معهم، فهؤلاء ينمون ويزدهرون في أجواء الفوضى ويجتذبهم الفراغ الأمني. هذه هي الأجواء والمناخات التي تتيح للمتطرفين انتزاع السلطة وفرض حكم الشريعة الاسلامية وإقامة الخلافة.

وبلمح البصر تراهم يتنقلون من شبكات جهادية محلية إلى أخرى أممية. هكذا يتوجه المقاتلون المتطرفون من ليبيا وتونس ومصر والسعودية وأفغانستان والباكستان والشيشان وغيرها من الدول إلى مواقع المعركة الجديدة في جبال القلمون أو في سيناء أو الأنبار أو أي مكان آخر يدعو له “جهادهم المقدّس”.

الوقت عصيب جدا في الشرق الأوسط هذه الأيام، فالدولة القومية تتآكل أمام أعيننا عرضة، من ناحية، لعمليات تغيير الأنظمة التي تقودها دول الخليج مع حلفائها الغربيين والأتراك، والجهاديون، من الناحية الأخرى، يتسربون عبر الحدود كالحمم النارية لانتهاك حدودنا وسيادتنا ضاربين عرض الحائط القوانين الدولية.

الديموقراطية؟ … إنساها.

أعطني جيشاً قوياً يضرب بيد من حديد كل من تسوّل له نفسه انتهاك حدود وطني. أعطني زعيماً وطنياً لا يتهاون مع مفخخي السيارات والقتلة والمخربين. أعطني رجال دولة يحترمون الأديان ولا يتوانون عن إرسال من لا يحترم دين غيره إلى جهنّم.

نعم، أريد حكماً مبنياً على توافق الأكثرية وحكم القانون والعدالة، ولكن أعطني حدوداً آمنة قبل أن تحدثني عن الديموقراطية.

نشر سابقاً في موقع الانكليزي لجريدة الأخبار

يمكنكم متابعة شارمين نرواني على تويتر | snarwani@

2 thoughts on “أعطني حدودا آمنة وانس الديموقراطية

  1. why don’t you publish this in Al-akhbar in arabic?The english version is reaching out to foreigners and to a very small elite in the arab world and this wake up call should be addressed first and foremost in arabic to the broader public meaning the one who read in arabic the Al-Akhbar.

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s